
الحملات التسويقية بين المفهوم والرسالة
المُتأمّل في مسار تطوّر الحملات التسويقية خلال السنوات الماضية، سيلاحظ أن النجاح لم يعد قائمًا فقط على الفكرة البصرية أو وجود شعار جذاب. بل أصبح الأمر أعمق من ذلك بكثير. اليوم، تحتاج العلامات التجارية إلى رسالة واضحة، وحضور يلمس الناس من الداخل، ويجعلهم يشعرون بأنهم جزء من قصة أكبر. لهذا لم تعد الحملات التسويقية تخاطب العيون فقط؛ بل تهتم أيضًا بأن تخاطب الوعي، وتستفيد من قوة الرموز، ومعنى المواقف، وكيفية تقديمها. داخل هذا السياق، جاءت حملة Lacoste – Save Our Species كنموذج في تقديم الحملات التسويقية يدمج بين العلامة والرسالة. لكن قبل الوصول إلى القصة نفسها، من الضروري فهم كيف تعمل الحملات التسويقية، ولماذا تخوض بعض العلامات مغامرة “التغيير الرمزي” في شعارها، وهو عمل قد يبدو بسيطًا من الخارج، لكنه في الحقيقة يستند إلى علم واستراتيجية دقيقة. الفكرة أولًا: ما الذي يجعل حملة ناجحة؟ الحملة التسويقية ليست إعلانًا جميلًا أو إبداعًا بصريًا لافتًا وحسب. هي قبل ذلك قرار استراتيجي يبدأ بفهم الجمهور، وتحديد الهدف، ثم صياغة الرسالة التي تصل إلى هذا الجمهور بأكثر الطرق تأثيرًا. جمهور اليوم لا يتفاعل مع الرسائل العامة أو العبارات الفضفاضة. يبحث عن حملات توضّح موقف العلامة، تكشف جانبًا إنسانيًا، أو تضع قضية على الطاولة لتطرحها بطريقة ذكية. وهنا تظهر قوة ما يسمى بالرسائل داخل الحملات، ومنها: رسائل تعليمية. رسائل عاطفية. رسائل تحفيزية. رسائل بيئية واجتماعية. هذه الأخيرة أصبحت جزءًا أساسيًا من مشهد التسويق العالمي، لأنها تضع العلامة التجارية أمام مسؤوليتها تجاه العالم، بطريقة لا تعتمد على الوعظ، بل على المشاركة. ومن تجربتنا في لهاميم للتواصل الإبداعي، أثناء تنفيذ العديد من الحملات التسويقية والابداعية، فإننا نرى أن الرسالة التي تتحرك من “القيمة” وليس من “الإعلان” هي التي تبقى أطول، وتدوم أبعد من حدود الموسم أو الحدث. الرسائل التي تبنى على فهم الجمهور، وتقدير مشاعره، تصنع تأثيرًا حقيقيًا، وتحقق نتائج قابلة للقياس. لماذا يجب أن تحمل الحملات رسالة من الأساس؟ لأن الجمهور أصبح أكثر وعيًا. لأن المنافسة أصبحت أقوى. ولأن العلامات الكبرى لم تعد تقيس النجاح بعدد المشاهدات، بل بجودة العلاقة مع الجمهور. وجود رسالة داخل الحملة يعطيها: اتجاهًا واضحًا. سببًا للوجود. معنى يمكن للناس أن يتبنوه. وهنا تظهر قيمة الرسائل البيئية على وجه الخصوص. فهي من أكثر الرسائل التي تجد صدى عالميًا، لأنها تتعلق بكوكب واحد يعيش عليه الجميع. لكن يبقى نجاح هذا النوع من الحملات مرتبطًا بقدرة العلامة على تقديم الرسالة بشكل ذكي وغير متكلّف، وبطريقة تُشعر الجمهور بأنها ليست خطوة تجميلية، بل جزء من موقف واضح. وهذا بالضبط ما فعلته لاكوست. ما الذي حققته Lacoste في عالم الحملات التسويقية؟ هنا ننتقل من مبدأ «الحملة ذات الرسالة» إلى حالة عملية أثبتت قوة هذا النهج. ما فعلته Lacoste كان رسالة بنَت عليها قصة جذبت انتباه العالم. تاريخ شعار Lacoste: خطوة إلى الخلف لفهم الحاضر بداية التمساح بدأت قصة شعار التمساح في أواخر عشرينيات القرن الماضي، حين كان لاعب التنس الفرنسي René Lacoste يحقق شهرة واسعة بفضل أدائه المُنافِس وروحه الانتصارية. في إحدى المباريات، أطلق عليه أحد الصحفيين لقب “التمساح” بسبب إصراره في الملعب وقدرته على التمسك بالكرة حتى اللحظة الأخيرة. تحول اللقب إلى رمز شخصي، ثم إلى شعار رسمي بعد سنوات عندما أسس لاكوست، علامته التجارية. منذ ذلك الوقت، لم يعد التمساح مجرد شعار تسويقي، بل تحوّل إلى جزء من الحكاية الأصلية للعلامة. وأصبح تميمة حظ، وعنصرًا أساسيًا في بناء شخصية Lacoste. وعلى مدار عقود، لم يتغيّر هذا الارتباط. ظل التمساح حاضرًا في كل قطعة تقريبًا، وتحوّل إلى أحد أكثر الشعارات تميّزًا على مستوى الموضة والملابس الرياضية. تغييرات وتطويرات في شعار التمساح مع مرور الزمن، خضعت تفاصيل الشعار لبعض اللمسات التجميلية بهدف مواكبة اللغة البصرية لكل عصر. تم تبسيط التفاصيل الدقيقة للتمساح، تحديث الخطوط، تعديل نسب الرسم، وتحسين شكل التطريز ليصبح أكثر وضوحًا على الأقمشة الحديثة. لكن طوال كل مراحل التطوير المختلفة لم يختف الشعار الأصلي إطلاقًا. وهذا يعكس تمسّك الشركة بأصلها وهويتها، مهما تغيّرت الموضات أو الاتجاهات الفنية. التغيير الرمزي في 2025: شعار الـ GOAT من بين أبرز لحظات تطوّر الشعار ما حدث في نسخة خاصة أطلقتها العلامة تكريمًا لأسطورة التنس نوفاك ديوكوفيتش. هذه المرة، استبدل التمساح برمز الـ GOAT، اختصارًا لعبارة “Greatest Of All Time”، أو “الأعظم في التاريخ”. لم يكن التغيير شكليًا ولا هدفه إثارة ضجة قصيرة، بل كان رسالة واضحة؛ هذه النسخة تحتفل بلاعب استثنائي يستحق أن يُخلّد بلقب يعكس مكانته في التاريخ. من خلال هذا المثال، نرى أن Lacoste استخدمت تغيير الشعار مسبقًا، لكن دائمًا في إطار محدود، مدروس، ويرتبط بقصة واضحة تخدم قيمة معينة. حملة Save Our Species: عندما يصبح الشعار رسالة بعد كل هذا التاريخ، تأتي الحملة التي ركّزت عليها الصحافة العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي نتحدث عنها كمثال على كيفية بناء حملة ذات رسالة إنسانية. الفكرة الأساسية قررت Lacoste في هذه الحملة التخلي مؤقتًا عن شعار التمساح، واستبداله بشعارات لحيوانات مهددة بالانقراض. الخطوة لم تكن لجذب الانتباه فحسب؛ بل كانت محاولة لاستخدام أحد أقوى رموز الموضة لإلقاء الضوء على خطر يهدد الطبيعة. الفكرة الأساسية تقول: “إذا كان اختفاء التمساح لفت نظرك، فكيف لا يلفتك اختفاء هذه الحيوانات من العالم؟” بمعنى أن غياب التمساح عن القميص لم يكن قرارًا شكليًا، بل لغة بصرية جديدة استخدمتها العلامة لإيصال رسالة تنتمي إلى واقع حقيقي. الرسالة التي حملتها الحملة الرسالة كانت بسيطة وعميقة في الوقت نفسه: اختفاء الأنواع المهددة بالانقراض ليس خبرًا بيئيًا عابرًا، بل مأساة مستمرة لا يراها كثيرون لأنها تحدث “ببطء وصمت”. غياب التمساح رمز العلامة، أصبح له مدلول واضح: غياب هذه الكائنات من الطبيعة. وهنا يكمن جوهر فكرتهم الابداعية؛ لا تحتاج أن تشرح عشر دقائق أو تقدم تقريرًا بيئيًا لتصل إلى هدفك وتقدم رسالتك. قميص واحد بدون التمساح يقول كل شيء. تنفيذ الحملة اختارت Lacoste مجموعة من الحيوانات النادرة جدًا، مثل: وحيد القرن السومطري. سلحفاة الغابة الآسيوية. الليمور الشمالي. لكل حيوان شعار مطرّز بدقة، وكل شعار يوضع على عدد محدود من القمصان يساوي عدد الحيوانات الباقية منه في الطبيعة. المعادلة المؤثرة: قميص واحد = حيوان واحد تطبيق المعادلة تمَثلَ في لاكوست بأنها استبدلت تقديم أرقامًا جامدة أو تقارير طويلة إلى منتجات محسوسة. لو تبقى 40 حيوانًا من أحد الأنواع، فهم قد صنعوا 40 قميصًا فقط بعدد الحيوانات المتبقية. بهذا الشكل، أصبح الجمهور يلمس المشكلة أمامه، ويراها في الوقت نفسه. وبلغ إجمالي الإنتاج 1775 قميصًا فقط، يمثل مجموع الحيوانات العشرة، مما زاد من الندرة وأهمية الحملة. التعاون مع مؤسسات بيئية لكي تحافظ على مصداقيتها، دخلت Lacoste في شراكة مع منظمات علمية تتابع أوضاع هذه الحيوانات. وهذه الشراكات منحت




